تُعد فترة التجربة في عقود العمل من أهم المراحل التي يمر بها العامل وصاحب العمل في المملكة العربية السعودية، إذ تتيح للطرفين التعرف على بعضهما، وتقييم مدى ملاءمة العلاقة التعاقدية قبل تثبيتها بشكل نهائي. ومع ذلك، تكثر التساؤلات القانونية حول كيفية إنهاء العقد خلال فترة التجربة وفق النظام السعودي، وما هي حقوق العامل وصاحب العمل في هذه المرحلة الحساسة.
لذلك في هذا المقال القانوني الشامل، سنستعرض أحكام فترة التجربة في نظام العمل السعودي، وشروطها القانونية، وآلية إنهاء العقد خلالها، بالإضافة إلى النصائح القانونية التي يجب أن يعرفها كل صاحب عمل وموظف لتجنب النزاعات العمالية المحتملة.
Table of Contents
مقدمة: أهمية فترة التجربة في نظام العمل السعودي
إن فترة التجربة (Probation Period) ليست مجرد بندٍ شكلي في عقد العمل، بل على العكس، تُعد عنصرًا أساسيًا ينظمه النظام السعودي بدقة لحماية حقوق الطرفين، فمن ناحية أولى، تمنح هذه الفترة صاحب العمل فرصة حقيقية لاختبار كفاءة الموظف ومدى التزامه بالمهام الموكلة إليه، ومن ناحية ثانية، تتيح للعامل بدوره الفرصة لتقييم بيئة العمل والتأكد من مدى توافقها مع توقعاته ومهاراته الشخصية والمهنية، وبالإضافة إلى ذلك، تساعد هذه الفترة الطرفين على بناء علاقة عمل قائمة على التفاهم المتبادل قبل تثبيت العقد بصفة نهائية، وبناءً على ما سبق، يمكن القول إن فترة التجربة تمثل آلية توازن قانونية تهدف في جوهرها إلى تقليل حالات الفصل التعسفي، وفي الوقت نفسه، تعزيز الاستقرار والعدالة في سوق العمل السعودي.
تواصل الآن مع شركة محاماة متخصصة في القضايا العمالية، واحصل على استشارة قانونية
أولًا: تعريف فترة التجربة في النظام السعودي
وتجدر الإشارة إلى أن نظام العمل السعودي نص على أن فترة التجربة هي:
“يجوز وضع العامل تحت الاختبار لفترة لا تزيد على (90) يومًا، ويجوز تمديدها لمدة مماثلة باتفاق مكتوب بين الطرفين.”
ومن خلال هذا النص يتضح أن:
- فترة التجربة ليست إجبارية، بل اختيارية إذا اتفق الطرفان عليها كتابة.
- المدة الأصلية 90 يومًا، ويمكن تمديدها بشرط موافقة الطرفين كتابة.
- لا يجوز إدخال العامل تحت التجربة أكثر من مرة لدى نفس صاحب العمل، إلا إذا كان العمل مختلفًا أو بعد مرور فترة زمنية كافية.
ثانيًا: الهدف من فترة التجربة
تهدف فترة التجربة إلى تحقيق مصلحة الطرفين معًا، ويمكن تلخيص أهدافها في النقاط التالية:
- اختبار كفاءة العامل: من حيث الالتزام والانضباط والأداء الوظيفي.
- تقييم بيئة العمل: ليتأكد العامل من ملاءمتها لتوقعاته وقدراته.
- منح حرية إنهاء العقد بسهولة: دون الحاجة إلى تعقيدات الفصل بعد تثبيت العقد.
ثالثًا: الأحكام النظامية المتعلقة بفترة التجربة
وفق نظام العمل السعودي، هناك عدة أحكام قانونية تحكم فترة التجربة، أبرزها:
- وجوب النص عليها كتابةً في عقد العمل.
لا يُعتد بفترة التجربة ما لم تُذكر صراحة في العقد المبرم بين الطرفين. - تحديد مدتها بوضوح.
يجب أن يكون هناك اتفاق صريح على مدة التجربة (90 يومًا قابلة للتمديد باتفاق). - عدم جواز تكرارها إلا بشروط محددة.
إذا عمل الموظف في نفس الوظيفة سابقًا، لا يمكن وضعه مجددًا تحت التجربة إلا بعد فترة زمنية طويلة أو في عمل مختلف. - تمتع العامل بجميع حقوقه خلال فترة التجربة.
مثل الراتب، وساعات العمل، والتأمين الطبي، والإجازات النظامية (عدا الإجازة السنوية).
رابعًا: إنهاء العقد خلال فترة التجربة
1. حق صاحب العمل في إنهاء العقد خلال فترة التجربة
يحق لصاحب العمل إنهاء العقد خلال فترة التجربة دون إشعار مسبق ودون تعويض، بشرط أن يكون الإنهاء بسبب عدم كفاءة العامل أو عدم توافقه مع متطلبات الوظيفة.
نظام العمل نص على:
“يجوز لأي من الطرفين إنهاء العقد خلال فترة التجربة ما لم يتضمن العقد نصًا يمنح الحق في ذلك لطرف دون الآخر.”
بعبارة أخرى، يحق لكل طرف إنهاء العقد ما لم يتفق الطرفان على خلاف ذلك.
2. حق العامل في إنهاء العقد خلال فترة التجربة
كما يحق للعامل أيضًا إنهاء العقد خلال فترة التجربة إذا لم يجد ظروف العمل مناسبة أو لم ينسجم مع بيئة العمل، وذلك دون الحاجة لتقديم سبب محدد.
إلا أنه يجب عليه الالتزام بما ورد في العقد من شروط، مثل إشعار صاحب العمل قبل الإنهاء إذا نص العقد على ذلك.
3. حالات خاصة لإنهاء العقد في فترة التجربة
- إذا تم الإنهاء بسبب التمييز أو الإساءة أو الفصل التعسفي، يمكن للعامل رفع شكوى أمام مكتب العمل للمطالبة بالتعويض.
- إذا نص العقد على إشعار مسبق قبل الإنهاء، يجب الالتزام به حتى في فترة التجربة.
- إذا تم إنهاء العقد بطريقة تخالف النظام، فإن العامل يحق له الحصول على كامل حقوقه النظامية.
خامسًا: حقوق العامل عند إنهاء العقد في فترة التجربة
رغم أن فترة التجربة تسمح بإنهاء العقد بسهولة، إلا أن للعامل حقوقًا نظامية لا يجوز المساس بها، وتشمل:
- الراتب المستحق حتى يوم الإنهاء.
- مستحقات الإجازات إن وُجدت.
- شهادة خبرة (إن طلبها العامل).
- تسليم شهادة الخدمة دون مقابل.
- براءة الذمة المالية.
سادسًا: التزامات صاحب العمل أثناء فترة التجربة
على صاحب العمل أن يلتزم بعدة واجبات قانونية خلال فترة التجربة، منها:
- الالتزام بدفع الرواتب في مواعيدها.
- ويجب تسجيل العامل في التأمينات الاجتماعية من أول يوم عمل.
- توفير بيئة عمل آمنة ومناسبة.
- الالتزام بأنظمة العمل واللوائح الداخلية المعتمدة.
سابعًا: تمديد فترة التجربة
يجوز تمديد فترة التجربة لمدة مماثلة (90 يومًا أخرى) بموافقة الطرفين كتابةً.
لكن يجب أن يتم الاتفاق قبل انتهاء الفترة الأولى، وإلا اعتبر العقد مستمرًا دون تمديد قانوني.
ثامنًا: الفرق بين إنهاء العقد في فترة التجربة وإنهاء العقد بعد التثبيت
العنصر | فترة التجربة | بعد التثبيت |
---|---|---|
الحق في الإنهاء | متاح للطرفين دون تعويض | يتطلب مبرر مشروع أو إشعار مسبق |
التعويض | لا يوجد تعويض عن الإنهاء | يستحق العامل تعويضًا في حالات الفصل غير المشروع |
الإجراءات | بسيطة وسريعة | أكثر تعقيدًا وتخضع لتدخل مكتب العمل |
الطعن | نادر ومحدود | يمكن الطعن ورفع دعوى عمالية |
تاسعًا: نصائح قانونية للشركات والموظفين
للشركات:
- صياغة بند التجربة في العقد بشكل واضح ودقيق.
- ومنها تحديد المدة النظامية بدقة وتوثيق أي تمديد.
- الالتزام بواجبات صاحب العمل خلال الفترة.
- تجنب أي فصل تعسفي أو إنهاء دون سبب مشروع.
للموظفين:
- قراءة العقد بعناية قبل التوقيع.
- معرفة حقوقهم النظامية خلال فترة التجربة.
- الاحتفاظ بنسخة من العقد وأي مراسلات رسمية.
- في حال الفصل غير المشروع، التوجه إلى مكتب العمل لتقديم شكوى.
عاشرًا: متى يُعتبر الإنهاء خلال فترة التجربة غير نظامي؟
ويُعتبر الإنهاء غير نظامي في الحالات التالية:
- إذا تم بسبب التمييز أو الجنس أو الحالة الاجتماعية.
- إذا لم يُذكر بند التجربة في العقد أصلًا.
- إذا استمر العامل أكثر من 90 يومًا دون تمديد رسمي.
- إذا تم الإنهاء دون الالتزام بشرط الإشعار المنصوص عليه بالعقد.
أحد عشر: آلية الاعتراض ورفع الشكاوى
إذا شعر العامل بأن الإنهاء خلال فترة التجربة غير مبرر، فيمكنه اتباع الخطوات التالية:
- التقدم بشكوى إلكترونية عبر منصة “مُدد” أو “قوى”.
- وبعد ذلك تُجرى محاولة التسوية الودية لدى مكتب العمل.
- ومن ثم رفع دعوى أمام المحكمة العمالية في حال عدم الوصول لتسوية.
خاتمة: التوازن بين المرونة والعدالة في فترة التجربة
وفي الختام، يمكن القول إن إنهاء العقد خلال فترة التجربة وفق النظام السعودي يمثل نموذجًا قانونيًا متوازنًا بين مرونة أصحاب الأعمال وحماية حقوق العمال.
فمن خلال النصوص القانونية الواضحة في نظام العمل، استطاعت المملكة أن تخلق بيئة عمل عادلة ومنظمة، تعزز من الثقة بين العامل وصاحب العمل وتدعم استقرار سوق العمل السعودي، وبالإضافة إلى ذلك، فإن التزام الشركات بالضوابط القانونية لفترة التجربة، يعكس احترافيتها واحترامها للأنظمة، وبالتالي يساهم في بناء سمعة مؤسسية قوية ومستدامة.
موضوع مهم دعوى إثبات النسب بالمحكمة